تعريف حياة أمّ سلمة بنت أبى اميّة
أ. سيرة أمّ سلمة بنت أبى اميّة
المرأة الكريمة التى شرف الله بجهودها هي هند وعرف بأمّ
سلمة بنت أبى اميّة بن الرقيب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومى وولدت فى
السّنة الثامنة وعشرين قبل الهجرة او فى خمسمائة ستّ وتسعين ميلاديّة. وهي من
الأسرة الأرستوقراطيّ وقد اشتهر بفروسيّة.[1] وامّها
عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن ملك بن خزيمة. وأمّا ابوها أبو اميّة بن المغيرة وهو
اهل قريش من بنى المخزومى المقدّمى والرّئيس من اهل المعاند برسول الله فى مكة
والمشهور فى جزيرة العرب لأنّه سخيّ، واشتراكيّ، ومن يهاجر معه كان سرورا لحسن
خلقه وهو يكرم ويساعد النّاس فى حاجتهم.
ولأمّ سلمة صفات كريمة كأبيها والرّحيم إلى جيرانها وهي
مرأة ذكيّة ومتعلّمة وحكيمة ونابغة فى أيّام شّبابها وقد تزوّجت برجل اسمه عبد
الله بن الأسد وهو ابن عمّة رسول الله برّة بن عبد المطلّب واخو رسول الله من
الرّضاعة.
واشتهر عبد الله بتمامه وشجاعته وسخيّه وتسامحه وصبره وهو
من الحادى عشر من السّابقين الأوّلين وكذالك بأمّ سلمة من السّابقين الأوّلين
وكانت زوجة صالحة ووفيّة بزوجها عند الشدّة.[2] وترضى
على ان تشعر لوعة شديدة من بنى قريش بسبب إعتقادها فى دين الإسلام وهي من اوائل
المسلمات هاجرت إلى الحبشة.
ب. هجرة أمّ سلمة
وأبى سلمة
أ. هجرة المسلمين إلى الحبشة
لمّا عرف المشركون انّ بعض قريش قد اسلموا فسعى ان يؤذيهم
ويبعد هم عن الدّين الذى إعتقدوابه وراى المشركون أن الدّين غريب لهم وقد سلك
السّعي ليصرّ المسلمين رجل كان او نساء ولكنّ خاب مسعاهم لأنّ صبرهم على كّل مصيبة
وآلم وليس التأثير فى اعتقادهم بل زاد ايمانهم.[3] وكانا
أمّ سلمة وزوجها من الأوّلين إلى دعوة الإسلام وقد ذاقا كلّ لوعة من بنى قريش
وحينئذ تجهّز النّاس للخروج من ديارهم فرارا بدينهم كما اشار عليه السّلام فهاجر المسلمون
إلى الحبشة. وعدّة اصحابها عشرة رجال وخمس نسوة ولمّا انتهوا إلى البحر إستأجروا
سفينة أو صلتهم إلى مقصدهم فأقاموا آمنين من آذى يلحقبهم من المشركين ولم يبق مع
النّبي عليه السّلام إلاّ القليل.
ويقال فى الرواية إنّ أمّ سلمة قالت : " لمّا نعتبر
أنّ مكة ضيّق لنا ولمس اصحاب رسول الله اللّوعة والفتنة الكثيرة في تأدية الإسلام
وليس لرسول الله قدرة لردّها فقال رسول الله : هاجروا إلى الحبشة إنّ فيها مالكا
عادلا لايقبل الظلم على احد. حتّى يفتح الله لكم يسرا ".[4]
واستقرّوا بالحبشة فى خير دار وخير جوار وأمنوا على دينهم وعبد وا االله دون اذى
او خوف ضاقت بهم مكة فاتسعت لهم بلاد الحبشة وزهد فيهم قومهم من قريش فرغب فيهم
نجاشي الحبشة وآواهم وشدّ أزرهم.
وبعد ثلاثة أشهر من خروج مها جرى الحبشة فرجعوا إلى مكّة
حيث لا تتيسّر لهم الإقامة فيها لأنّهم قليلوا العدد – وفى الكثرة بعض الأنس –
وأضف إلى ذلك أنّهم أشراف قريش ومعهم نساؤهم وهؤلاء يطيب لهم عيش في دار غربة بهذه
الحالة وقد أولع بعض المؤرّخين بحكاية يجعلونها سببا فى رجوع مهاجرى الحبشة وهي
أنّه بلّغهم إسلام قومهم وإنّ الهجرة كانت فى رجب ورجوع كان فى شوّال. ولكنّ حينما
وصلوا إلى مكّة وعرفوا أنّ الخبر خرافة.
وحينما دخول الرّسول وقومه الشعب امر جميع المسلمين ان
يهاجروا إلى الحبشة للمرّة الثّانيّة وامر بمساعدة بعضهم بعضا على الإغتراب وتبع
ثلاثة وثمانون رجالا واحدى عشرة نسوة من نسوة قريس وسبع نسوة من القبيلة الأخرى.[5] وقيل
عثمان بن عفان رضي الله عنه : " يا رسول الله ! الهجرة الأولى والثانى إلى
النّجاشي ولست معنا " وقال رسول الله : " تهاجرون إلى الله وإليّ ولكم
ثوابا كثيرا على الهجرتين تامّا " وقال له : " كفينا يارسول الله" [6]
ولمّا احسّ قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة
والإستقرار فى الحبشة، تشاوروا فيها بينهم. واتّفقوا على إرسال شابّين منهم إلى
النّجاشى كي يطردهم ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه
عبد الله بن أبى ربيعة وعمرو بن العاص.
ب. هجرة المسلمين إلى المدينة
ولمّا رجع الأنصار إلى المدينة ظهر بينهم الإسلام أكثر من
المرّة الأولى. أمّا رسول الله ﷺ وأصحابه فازداد عليهم أذى المشركين لما سمعوا
أنّه حالف قوما عليهم فأمر عليه السلام جميع المسلمين بالهجرة إلى المدية فصاروا
يتسللون خيفة قريش أن تمنعهم. وأوّل من خرج أبو سلمة المخزومى زوج أمّ سلمة ومعه
زوجه. فأباح الله عليهم ليحرّب المشركين.[7] وقال
الله تعالى : " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبَّهُمْ أَنِّى لاَ اُضِيْعَ عَمَلَ
عَامِلٍ مِنْكُمْ مِّنْ ذَكَرٍ وَاُنْثٰى ۚ بَعْضُكُمْ مِّنْۢ بَعْضٍ ۚ
فَالَّذِيْنَ هَاجَرُوْا وَاُخْرِجُوْا مِنْ دِيَارِهِمْ وَاُوْذوْا فِى
سَبِيْلِيْ وَقٰتَلُوْا وَقُتِلُوْا لِأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّاٰتِهِمْ
وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهٰرُ ۚ ثَوَابًا مِّنْ
عِنْدِ اللهِ ۗ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَوَابِ "[8]
وفى هذه الهجرة اصابت امّ سلمة مصيبة وكان بنوا المغيرة منعها
من الهجرة إلى المدينة وسمع لأمر بنى الأسد وغضب به لأنّهم لا يسمحون سلمة بن ابن
سلمة لإتباعهم فوقع النّزاع بينهم فنجح بنى الأسد ثمّ اخذ سلمة معهم إجبارا وحينئذ
استمرّ أبو سلمة هجرته إلى المدينة.[9]
وكانت أمّ سلمة معتصمة بدينها ولو اصابها اجبار بنى المغيرة
لثبوت معهم بعيدا عن ابنها وزوجها الذى يهاجر إلى المدينة وتبقى على الطلب إلى
الله لإطلاقها من الضرّاء وارجاع ابنها إلى ابيه ولمّا صدّ امّ سلمة اسراتها
ومنعها للهجرة فخرجت إلى الأبطح كلّ صباح وبكت لحزن حالها. حتّى رحم وطلب احد من
بنى المغيرة الى قبيلته لإطلاقها فيوافقون على إقتراحته فأطلقواها وحينئذ ردّ بنى
عبد الأسد ابنها.
وبعد اطلاقها اعتزمت أمّ سلمة للهجرة إلى المدينة لكنّ
اشتدّ اذى فى الهجرة لأن تسافر بإبنها وليس لهارفيق فى السّفر وحينما فى التنعيم
لقيت أمّ سلمة بعثمان بن طلحة بن ابى طلحة آل بنى ابددر، قال لها : " يا بنت
اميّة إلى اين ستذهبين ؟ " وقالت : " سأتبع زوجى إلى المدينة يامولى
" فقال عثمان : "هل احد يصاحبك فى سفرك. فقالت له لا، والله إلاّ الله
وابنى " فقال عثمان : " والله، ما اجاز عايّ ان اهملك " ثمّ اخذ
عثمان بن طلحة مقودا وركبه بأمّ سلمة إلى المدينة سريعا حتّى يصل إلى قرية بنى
عمرو بن عوف فى قياء وقال عثمان : " انّ زوجك فى هذه القرية فادخليها على
بركة الله " ثمّ انصرف راجعا إلى مكّة.
ج. لقاء أمّ سلمة
برسول الله
وصلت أمّ سلمة فى
المدينة وكانت اوّل مها جرة من النّساء إلى المدينة ولقيت بأبى سلمة فيها فاشتغلت
أمّ سلمة بتربية ابنها وبتجهيز حوائج زوجها وطلبت أمّ سلمة من زوجها أنّ يتعاهد
على ألاّيتزوّج بغيرها إذا ماتت وألاّ تتزوّج هي اذا مات هو ولكنّ طلب أبو سلمة
منها أنّ تتزوّج اذا مات هو ثمّ قال : " اللهمّ ارزق أمّ سلمة بعدى رجلا خيرا
منّى لا يحزنها ولا يؤذيها ".
وكان أبو سلمة من كبار صحابة رسول الله ممن يثق بحكمتهم،
حسن تصرفهم، يدلّ على ذٰلك أنّ الرسول ﷺ استخافه على المدينة
المنوّرة يوم خرج فى جمادى الأولى من السّنة الثانيّة للهجرة فى غزوة ذات العشيرة
يعترض قافلة لقريش خرجت إلى الشّام، فشهد أبو سلمة بدرا، وفى يوم أحد أصاب ابا
سلمة سهم فى عضده رماه به أبو سلمة الجشمى. فرجع إلى منزله فجاءه الخبر أنّ رسول
الله ﷺ سار إلى حمراء الأسد فركب وخرج يعارض رسول
الله. وأقام أبو سلمة شهرا يداوي جرحه حتّى رأى ان قد برأ ودمل الجرح على يغي لا
يدرى به ودعا ابا سلمة إلى السرية وعقدله لواء.
وكان سبب هذه السرية أنّ رسول الله بلّغه أنّ طليحة وسلمة بني
خويلد قد سارا فى قومهما ومن اطاعهما للهجوم على المدينة المنوّرة. ولمّا مرض ابو
سلمة جاءه النبيّ ﷺ يعوده وبعد مدّة قصيرة وقع وفاة أبى سلمة قاسيا
على أمّ سلمة فلمّامات أبوسلمة تساءلت فى نفسها : من الذى هو خيرلى من أبى سلمة ؟
فبعد انقضت عدّتها خطبها أبو بكر فردته، ثمّ خطبها عمر فردته، ثمّ بعد ذالك خطبها
رسول الله ﷺ وتزوّجها.[10] وبراكة
من طاعتها فبدّل الله لها زوجا خيرا من زوجها. وزوّجها الرّسول فى الشوّال السنة
الرابعة من الهجرة ويكؤن عمربن الخطاب وليّالها وعادل رسول الله صدقتها كصدقة من
قبلها إكراما لها ومن فضائل أمّ سلمة كما ذكر فى الحديث :
" حَدِيْثُ اُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ جِبْرِيْلَ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدَّثُ،
ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لأُمِّ سَلَمَةَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ، قَالَتْ
: هٰذَّا دِحْيَةُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : أَيْمُ اللهِ، مَا حَسِيْتَهُ اِلاَّ
إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللهِ ﷺ يُخْبِرْ جِبْرِيْلَ
( اخرجه البخارى فى : (61) كتاب المناقب، (20) باب علامات النّبوة فى الإسلام
)" [11]
[1]Taman Kahn, Untold Stories, (Jakarta : Kaysa Media, 2011), hal. 84
[2]Mahmood Ahmad Ghadanfar, Bahkan Surga Sangat Merindukan Mereka, (Yogyakarta : Diva Press, 2008), hal. 107
[3] حشة عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 43
[4] Muhammad bin Umar Al-Waqidi, Kitab Al-Maghazi, (Bogor : Al-Azhar Fres Zone, 2015 ), hal. 213
6حشة عبد الكريم، المرجع السابق، ص. 56
[6] نفس المرجع ، ص. 55
8 نفس المرجع، ص. 56