سيرة حياة أبي نواس
أ.
سيرة حياة أبي نواس
إسمه
الحسن بن هانئ بن عبد الأوّل بن صباح كان أبوه مولى فارسيّا من موالي الجراح
الحكمي أمير خراسان لعهد عمر بن عبد العزيز وعمل فى جيش مروان بن محمد آخر خلفاء
الأمويين. وأمّه جلّبان فارسيّة كانت تغزل الصوف وتنسجه.
ولد فى
أحفاز، إيران ولم يعرف تاريخ مولده على وجه الدّقّة، فقيل : ولد 130ه وهي السنة التى ولد فيها أبو العتاهية أو
136ه أو 139ه أو141ه أو 145ه وقال الجاحض: " أَنَا أَسَنُّ مِنْ أَبِيْ
نُوَاسِ بِسَنَةٍ " وقد ولد الجاحض سنة 150ه. كنيته : قيل إنّه كنى بأبي فراس ، ثمّ
بدّلها بأبي نواس إسترضاء اليمانيّة، وقيل : كنى بها أنّ جاره بعثه فى إستدعاء
رجل، فأخذ يعدو، وذؤابة شعره تتحرّك على جبينه، فلمّا عاد بالرجل، قال له : أحسنت
ياأبا نُواس. لتحرّك ذؤبته، فلزمته هذه الكنية و لقب بالحكمي. فقد قال له والبة :
" يَاشَقِيْقُ النّفْسِ مِنَ الحُكْمِ".[1]
توفي أبوه
وهو في السادسة من عمره، فأرسلته أمّه إلى البصرة ودفعته إلى الكتّاب، وتعمّق فيها
مايشاء إمّا فى علم الأدب أو المعرفات العلميّة بحضور مجالس المعلم وتعليم الأدب.
فقرأ
القرآن على يعقوب الحضرمي، وطلب الحديث إلى حماد بن زياد البصرى شيخ العراق توفي :
179ه ومحدّث البصرة معتمر بن سليمان توفي : 167ه وهو أحد من المعلم إمام أحمد بن حنبال،
ويقال إنّ إمام احمد أحد من معلّمه.[2]
لقي بأبي
أسامة والبة بن الحباب الأسدى شاعر الكوفة فى البصرة. وكان يصاحب جول الفتى من
البغداد إلى الكوفة و فيه يعوّده حضور مجتماع الشّعراء وشرب الخمر. وكان أبو نُواس
سامعا ودقيقا وماهرا وشاهدا وخياليّا في أمره، وما قام فيه إلاّ لحظة.
وبدأ حياة
تقليديّته بالضمّ إلى البدو يعنى قبيلة الأسد وبعد سنة إنضمّ إلى قبيلة أخرى كانت
أكثر رعيّتها الرّاحلين. وهذا الفعل موافق بكلام الله تعالى : وَمَاۤ اَرۡسَلۡنَا
قَبۡلَكَ اِلَّا رِجَالًا نُّوۡحِىۡۤ اِلَيۡهِمۡ فَاسْأَلُوا اَهۡلَ الذِّكۡرِ
اِنۡ كُنۡتُمۡ لَا تَعۡلَمُوۡن[3]
عاد إلى البصرة
وطلب الأدب إلى خلاف الأحمار وكانت طريقته مختلفة بالوالبة. علّم والبة نظرة
المسألة والإجتماع بالشّعراء المختلفة ولكنّ خلاف علّم طريقة الحفظ. وكان يرقب
تطوّر الفتى ويمتحنه ويدبّره كثيرا فى حفظ الغناء والشّعر حتّى قدر على تعبير شعره
تعبيرا حسنا. وبفضيلته العظيمة أصبح أبو نواس مشهورا فى مجتمع الشّعراء البصرية.
هاجر إلى
البغداد وكانت البغداد قبلة العربى والفارسي. فإنضمّ إلى مجتمع البرمكي وذرى شعر
مدحه للأجرة، وبعد أوقات قليلة وقع النّزاع بشاعر سابق أبان اللّحقى. ثمّ إنضمّ
إلى مجتمع الربيع وعمل فيهم كما عمله فى البرمكي حتّى وصل إلى الخليفة العبّاسيّة هارون
الرّشيد فى نصرة خلافته.
ب. زندقة أبي
نواس
زندقة أبي
نواس ليست للشّرك والكفر لكنّ للنّقد. وظهر نقده بسبب ثورة نفسيّته الدّين وللمجتمع
المادّي. وكان أبو نواس تابعا بمذهب المتعة وفاضلا بالفرح الدّنياوي وقابّحا
ومهيّنا لأية القرآن الكريم. ومن أعما له الّتى دلّت على إهانة
الدّين والقرآن هي كالتجرّع كؤوس الخمر تجرّعا حتّى يفوت أوقات الصلاة. وقال
للخمر : وَإِنْ قَالُوْا حَرَامٌ قُلْ حَرَامٌ ؞ وَلٰكِنَّ اللَّذَاذَةَ فِى الحَرَامِ.[4]
ومثال أخر
من إهماله على شريعة الدّين هو يحجّ مع الحجّاج لكنّه لم يبلغ المقدّسة وإنصرف إلى
مكان الخمر وشرب حتّى سكرفيه، إذا عاد الحجّاج فرحل معهم إلى البغداد كأنّه حجّ كما
يحجّ الحجّاج.
كان أبو
نواس محبّا ومشغولا بالشعر ولذٰلك يفوت ذكر وشريعة الله. نهى
رسول الله ﷺ عن هذا الفعل بحديثه : حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : لِأَنْ يَّمْتَلِئَ جَوْفَ أَحَدِ كُمْ
قَيْحًا يَرِيْهِ خَيْرٌلَهُ مِنْ أَنْ يَّمْتَلِئَ شِعْرًا ( رواه البخارى )[5]
أمّا أسبب زندقتة أبي نواس فهي :
1. الأمّ
إنّ الأمّ
والدة ومدرسة الرّجل.إن أحسنت الأمّ أحسن الرّجل وكم من أمّهات صالحات ولدت البنين
الصّالحين، منها: أمّ الإمام البخارى وأمّ الإمام احمد بن حنبال. وكم من أمّهات
فاحشات ولدت البنين الفاحشين منها : زوجة نوح و زوجة لوط.
كانت أمّ
أبي نواس من الطّائفة الثّانية ومتزوّجة بعد أن توفي أبو الحسن وإمراءة غضبة تهيج
ثورته وفكره وحمّلته فى صغاره وأمرت الولد بصنع الجوراب والأخراج والإتّجاربها
لكسب معاشه ومعاشها وكأنّ البيت مكان للجصّ والأجر ويفضّل أبو نواس قضاء الوقت
بعيدا عن البيت.
2. والبة بن
الحباب
هو الذي
يصاحب جول الفتى من البغداد إلى الكوفة وكان يعيش فى المعصية والشذوذ والفساد.
والبة أحد من الشّياطين في تلك الفترة ويؤثر فى إنحرافه ولهوه ومجونه وزندقته
تأثيرا عظيما.[6]
3. أبو عبيدة معمر بن المثنّى
أديب من الأدباء العبّاسِيّة ومعلّم لأبي نواس.
4. المعلّمون
كان أبو نواس تابعا بالمعلّمين ورجل الأدب
والرواية الذين يؤم مجالسهم وحلقاتهم والشّعراء التى يتتلمذ عليهم ثمّ يصاحبهم
وينافسهم. كان أكثر من هؤلاء من ذوى المزاج الجنسي المنحرف. ومنهم تعلّم أبو نواس
هذا السلوك الشاذ.[7]
5. المجتمع
العبّاسى
ربّما كان أبو نواس ضحية من ضحايا المجتمع العبّاسى. شأنه شأن كثير من الضّائعين في مجتمع شاعت فيه موجات الإنحراف واللّهو والزندقة والمجانة وكثير فيها الرقيق الجواري وشاع الغناء والرّقص والموسيقى وإختلطت الأمم بعاداتها وتقاليدها.[8]
ج. توبة وزهد أبي نواس
1- توبة أبي نواس
كانت سيرة حياته ملوّنة بمزاحه كأنّ حبّه فى لعب
الألفاظ وفكاهته أسطورة فى خزنة الثقافة الدّنيا. أوقعه فى السجن بقربته من السلطة
ولمس الخليفة بشعره. منذ لبده فى السّجن غيّر شعره تعبيرا دينيّا وطاعة لِلّٰه
تعالى وكان فى الماضى فارحا دنياويّا. قال أبو نواس :
إِلٰهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أَهْلاً # وَلاَ
أَقْوَى عَلَى النَّارِ الجَحِيْمِ
فَهَبْلِيْ تَوْبَةً وَاغْفِرْذُ نُوْبِيْ
# فَإِنَّكَ غَافِرُ الذَّنْبِ العَظِيْمِ[9]
هٰذان من
شعر إعترافه وكان شعره روحيّا ودينيّا عميقا. ولو شعره يلهم من إنحرافه، لكنّ ذالك
الذى يرشده رشدا اٰمينا إلى بركة أغراض حياته. أشعار توبته يفسّر سبيلا بعيدا إلى
ربّه وقربته للخليفة هارون الرّشيد ليس سببا فى سعادة حياته.
2. زهد أبي نواس
ذكر زكريا النوتي أنّ الزّهد أصله إسلامي.
لكنّ هناك زهدا وتصوفا ينحرفان عن الفهم الحقيقي للإسلام[10]
الفرقة الأولى يعمرون مساجد فى البغداد بإحضار
الحلقة لذكر تعظيم الله وتوحيده ويوم السّاعة الذى سيلقاه كلّ النّاس. وكانوا
بعضهم ناصحين للخليفة وبعضهم بلغوا فى إعتزال الدّنيا وعن الزواج. فقد نهى هذا
الفعل بقوله تعالى : (وَمَنْ أٰيٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)[11]
كانت الفرقة الثانيّة تؤدّى طريق الزهد بعد الأفعال المحرّمة كشرب الخمر
والزّنى وغير ذٰلك. فى زهده أدّى أبو نواس ثلاث طرق وهي : النّدامة والتّوبة والطّاعة،
النّدامة تؤدّي بمحا سبة النفس عن فعله فى الماضى قصدا أو غير قصد. وخصائص فى ندامته
ليست لعبارة فحسب لكنّ بإعتراف وصدق وإخلاص بأخطائه مالا يعيدها لمرّة ثانيّة
ويتوب لذنوبه توبة عظيمة.